فصل: حصار الاتابك زنكي مدينة دمشق.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.استيلاء الاتابك على قلاع الهكارية وقلعة كواشي.

حدث ابن الاثير عن الجنيبي أن الاتابك زنكي لما ملك قلاع الحميدية وأجلاهم عنها خاف أبو الهيجاء من عبد الله على قلعة أشب والجزيرة وكواشي فاستأمن من الاتابك واستحلفه وحمل له مالا ثم وفد عليه بالموصل بعد أن اخرج ابنه أحمد من أشب خشية أن يغلب عليها وأعطاه قلعة كواشي وولى على أشب رجلا من الكرد واسمه باد الأرمني وابنه أحمد هذا هو أبو علي بن أحمد المشطوب من أمراء السلطان صلاح الدين ولما مات أبو الهيجاء واسمه موسى وسار أحمد إلى أشب ليملكها فامتنع عليه باد وأراد حفظها لعلي الصغير من بني أبي الهيجاء فسار الاتابك زنكي في عساكره ونزل على أشب وبرز أهلها لقتاله واستجرهم حتى أبعدوا ثم كر عليهم فأفناهم وأسرا وملك القلعة في الحال وسيق إليه باد في جماعة من مقدمي الاكراد وقتلهم وعاد إلى الموصل ثم سار غازيا في بعض مذاهبه فبعث نائبه نصر الدين جقري عسكرا وخلى كنجاورسى وقلعة العمادية وحاصروا قلعة الشغبان وفرح وكواشي والزعفراني وألغي وسرف وسفروه وهي حصون الهكارية فحصرها وملكها جميعا واستقام أمر الجبل والزوزن وأمنت الرعية من الاكراد وأما باقي قلاع الهكارية وهي حل وصورا وهزور والملايسي ويامرما ومانرحا وباكرا ونسرفان قراجا صاحب العمادية فتحها بعد قتل زنكي بمدة طويلة كان أميرا على تلك الحصون الهكارية من قبل زين الدين علي على ما قال ابن الاثير ولم أعلم تاريخ فتح القلاع فلهذا ذكرته هنا قال وحدثني بخلاف هذا الحديث بعض فضلاء الأكراد أن أبا بكر زنكي لما فتح قلعة اسب وحرساني وقلعة العمادية ولم يبق في الهكارية إلا صاحب جبل صورا وصاحب هزور لم يكن لهما شوكة يخشى منهما ثم عاد إلى الموصل وخافه أهل القلاع الجليلة ثم توفي عبد الله بن عيسى بن إبراهيم صاحب الريبة والغي وفرح وملكها بعده ابنه علي وكانت أمه خديجة ابنة الحسن أخت إبراهيم وعيسى وهما من الأمراء مع زنكي بالموصل فأرسلها ابنها إلى أخويها المذكورين وهما خالاه ليستأمنا له من الاتابك فاستحلفاه وقدم عليه فأقره على قلاعه واستقل بفتح قلاع الهكارية وكان الشغبان هذا الأمير من المهرانية اسمه الحسن بن عمر فأخذه منه وخربه لكبره وقلة أعماله وكان نصر الدين جقري يكره عليا صاحب الريبة والغي وفرح فسعى عند الاتابك في حبسه فأمره بحبسه ثم ندم وكتب إليه أن يطلقه فوجده قد مات فاتهم نصر الدين بقتله ثم بعث العساكر إلى قلعة الرحبية فنازلوها بغتة وملكوها عنوة وأسروا ولد علي واخوته ونجت أمه خديجة لمغيبها وجاء البشير إلى الاتابك بفتح الريبة فسره ذلك وبعث العساكر إلى ما بقي من قلاع علي فأبي إلا أن يزيدوه قلعة كواشي فمضت خديجة أم علي إلى صاحب كواشي من المهرانية واسمه جرك راهروا وسألته النزول عن كواشي لاطلاق اسراهم ففعل ذلك وتسلم زنكي القلاع وأطلق الأسرى واستقامت له جبال الاكراد والله تعالى أعلم.

.حصار الاتابك زنكي مدينة دمشق.

كان شمس الملوك إسماعيل بن بوري قد انحل أمره وضعفت دولته واستطال عليه الافرنج وخشي عاقبه أمرهم فاستدعى الاتابك زنكي سرا ليملكه دمشق ويريح نفسه وشعر بذلك أهل دولته فشكوا إلى أمه فوعدتهم الراحة منه ثم اغتالته فقتلته وجاء الأتابك زنكي فقدم رسله من الفرات فألفوا شمس الملوك قد مات وولي مكانه أخوه محمود واشتمل أهل الدولة عليه ورجعوا الخبر إلى الاتابك فلم يحفل به وسار حتى نزل بظاهر دمشق واشتد أهل الدولة على مدافعته ومقدمهم معين الدين أبربوه أتابك طغركين ثم بعث المسترشد أبا بكر بن بشر الجزري إلى الاتابك زنكي فأمره بصلح صاحب دمشق فصالحه ورحل عنه منتصف السنة والله سبحانه وتعالى أعلم.

.فتنة الراشد مع السلطان مسعود ومسيره إلى الموصل وخلعه.

كان كثير من أمراء السلجوقية قد اجتمعوا على الانتقاض على السلطان مسعود والخروج عليه ولحق داود ابن السلطان محمود من أذربيجان ببغداد في صفر سنة اثنتين وثلاثين فأنزل بدار السلطنة وراسله أولئك الأمراء وقدم عليه بعضهم مثل صاحب قزوين وصاحب أصبهان وصاحب الاهواز وصاحب الجبلة وصاحب الموصل الاتابك زنكي وخرجت إليهم العساكر من بغداد وولى داود شحنية بغداد وخرج موكب الخليفة مع الوزير جلال الدين الرضي وكان الخليفة قد تغير عليه وعلى قاضي القضاة الزينبي فسمع بهم الاتابك ثم وقعت العزيمة من الراشد والسلطان داود والاتابك زنكي وحلف كل منهم لصاحبه وبعث الراشد إلى الاتابك بمائتي ألف دينار ووصل سلجوق شاه إلى واسط وقبض على الأمير بك آبة ونهب ماله فانحدر الاتابك زنكي لمدافعته فاصطلحا وعاد زنكي إلى بغداد ومر على جميع العساكر لقتال السلطان مسعود وخرج على طريق خراسان وبلغهم أن السلطان مسعودا سار إلى بغداد فعاد إليها ثم عاد الملك داود وجاء السلطان مسعود فنزل على بغداد وحاصرهم نيفا وخمسين يوما وارتحل إلى النهروان ثم قدم عليه طرنطاي صاحب واسط بالسفن فرجع إلى بغداد وعبر إلى الجانب الغربي ثم اختلف العسكر ببغداد ورجع الملك داود إلى ولايته بأذربيجان وافترق الأمراء الذين معه ولحق الراشد بالاتابك زنكي في نفر من أصحابه وهو بالجانب الغربي وسار معه إلى الموصل ودخل السلطان مسعود إلى بغداد منتصف ذي القعدة سنة ثلاثين واستقر بها وسكن الناس وجمع القضاة والفقهاء وعرض عليهم يمين الراشد بخطه بأنه متى جمع أو خرج لحرب السلطان فقد خلع نفسه فأفتوا بخلعه ثم وقعت الشهادات من أهل الدولة وغيرهم إلى الراشد بموجبات العزل وكتبت وأفتى الفقهاء عقبها باستحقاق العزل وحكم به القاضي المعين حينئذ لغيبة قاضي القضاة بالموصل مع الراشد ونصب للخلافة ابن المستظهر وجاء رسول الاتابك زنكي إلى بغداد وهو القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري وبايع بعد أن ثبت عنده الخلع وانصرف إلى الاتابك باقطاع من خاص الخليفة ولم يكن ذلك لاحد قبله وعاد كمال الدين إلى الاتابك وحمل كتب الخلع فحكم بها قاضي القضاة بالموصل وانصرف الراشد عن الموصل إلى أذربيجان كما مر في أخبار الخلفاء والسلجوقية والله تعالى ولى التوفيق.